هل في الدين اسرار وعلوم خاصة لا يعلمها الناس وما هو العلم اللدني ؟

هل في الدين معارف وأسرار ؟

 

وقد يأتنا من يقول أنه لا يوجد في الدين أسرار ومعارف وعلوم وأن من قال هذا يقال له أهي من الدين فإن قال نعم قيل له أنك تدعى أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكتمل أو كتم منها .
ولمثل هذا القائل نقول : أعلم أن دين الإسلام قد بلغه رسول الله وأتمه وتشهد له الآية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا ) المائدة3
جاء في تفسير الآية في الجلالين : (اليوم أكملت لكم دينكم) أحكامه وفرائضه فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام (وأتممت عليكم نعمتي) بإكماله وقيل بدخول مكة آمنين (ورضيت) أي اخترت (لكم الإسلام دينا ) . أهـ 


إلاّ أن الله عز وجل اختص أقواماً بأسرار ومعارف وعلوم وإليك الإجابة:


هل هُناك عُلوم يختـّص الله تعالى بها بعض العباد ويهبهم أياه من فيض فضله؟ نـعـم
قال تعالى : { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } البقرة282
وقال تعالى : {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } الكهف 65
قال ابن القيم الجوزية في كتابه مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياكَ نستعين / فصل العلم اللدني / عند شرحه لعبارة الهروى: (( العلم اللدنى إسناده وجوده وإدراكه عيانه ونعته حكمه ليس بينه وبين الغيب حجاب )) قال ابن القيم : ( يشير القوم بالعلم اللدني إلى ما يحصل للعبد من غير واسطة بل بإلهام من الله وتعريف منه لعبده كما حصل للخضر عليه السلام بغير واسطة موسى قال الله تعالى: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} [ الكهف: 65 ] ......ثم قال بعد كلام له ...... العلم اللدني ثمرة العبودية والمتابعة والصدق مع الله والإخلاص له وبذل الجهد في تلقي العلم من مشكاة رسوله وكمال الانقياد له فيفتح له من فهم الكتاب والسنة بأمر يخصه به كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد سئل: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه . فهذا هو العلم اللدني الحقيقي ...وقال أيضاً بعد كلام .... قوله: إسناده وجوده يعني: أن طريق هذا العلم: هو وجدانه كما أن طريق غيره: هو الإسناد، وإدراكه عيانه أي إن هذا العلم لا يؤخذ بالفكر والاستنباط وإنما يؤخذ عياناً وشهوداً. انتهى

 

أعلم أخي المسلم أنَّ هذه العبارة حُرّفت وزُحّزحّت عن مكانها فصل العلم اللدنى في طبعات الوهابية الجديدة التي يسموها مُنقحه، أو التي تجد عليها تعليقاتهم، فأحزر التزوير وراجع الطبعات القديمة تجد ما ذكرناه.

س: هل في الدين أسرار ؟ نـعـــــــم

أوردَّ القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن عند تفسير قوله تعالى: "الم" اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السورة، فقال عامر الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين: هي سر الله في القرآن، ولله في كل كتاب من كتبه سر. فهي من المتشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه، ولا يجب أن يتكلم فيها، ولكن نؤمن بها ونقرأ كما جاءت. وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.. ــ وقال: وروي عن محمد بن علي الترمذي أنه قال: إن الله تعالى أودع جميع ما في تلك السورة من الأحكام والقصص في الحروف التي ذكرها في أول السورة، ولا يعرف ذلك إلا نبي أو ولي، ثم بيّن ذلك في جميع السورة ليفقّه الناس. 

س: هل يوجد في الدين معارف خاصه ببعض المسلمين نـعـم
نقل القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن / تفسير سورة الطلاق : عن مجاهد ، عن ابن عباس ، 
في قوله : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ ) قال : لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها.
وعن سعيد بن جبَير ، قال : قال رجل لابن عباس ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ) ... الآية ، فقال ابن عباس : ما يؤمنك أن أخبرك بها فتكفر.
فها هو ابن عباس رضى الله عنه ينبانا أنه يعلم عن القرآن ما لا نعلم وأنه يكتم ذلك عنا خشية أن 
لا نستوعب ما يقول فنكفر ، وفى مثل هذا جاء في البخاري عن الإمام على رضى الله عنه: "حَدِّثُوا النَّاسَ بمَا يَعرِفونَ أتحِبُّونَ أَن يُكذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُه ؟".

س : هل هناك من أهل العلم الثقات المعتبرين من قال باختصاص البعض من أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعلوم ومعارف تخفى على غيره ؟ نـعـم

أورد ابن كثير في تفسيره، في تفسير سورة الكهف: (وقوله: { مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ } أي : من الناس. قال قتادة : قال ابن عباس : أنا من القليل الذي استثنى الله عز وجل ، كانوا سبعة ) أهـ وجاء مثله في تفسير هذه الآية في اختصار نكت الماوردي للإمام العز بن عبد السلام . 
إذاً فإن الله قد خصَّ قليل بمعرفة عدد أهل الكهف منهم سيدنا ابن عباس رضىَّ الله عنهما كما صرّح وهي له خصوصيه لاطلاعه على علوم مكتومه فأفهم تغنم.
ــ قال الإمام العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام / فصل في تفاوت الأعمال مع تساويها باختلاف الأماكن والأزمان: (.... قال بعد كلام .... وكذلك ما مَنّ به من المعارف والأحوال وحسن الأخلاق، لم يكن ذلك إلا فضلاً من فضله وجوداً من جوده على من يشاء من عباده. )

ــ قال الحافظ بن حجر العسقلاني في كتابه فتح البارئ شرح البخاري / كتاب الأيمان والنذور / باب كيف كانت يمين النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في شرح حديث : ("عن عائِشة رضيَ الله عنهَا عن النبِيِّ صلّى الله عليه وسَلّم أَنّه قَال "يا أمّة محمّد واللهِ لو تعلمونَ ما أَعلَم لبكَيتم كثيرًا وضحكتم قليلا" )
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا" دلالة على اختصاصه بمعارف بصرية وقلبية، وقد يطلع الله عليها غيره من المُخلَصين من أمته لكن بطريق الإجمال، وأما تفاصيلها فأختص بها النبي صلى الله عليه وسلم